منتديات نسائم القلوب
السلام عليكم
اذا كونت زائر في منتديات نسائم القلوب لاول مرة
قم بالتسجيل وشارك معانا
منتديات نسائم القلوب
السلام عليكم
اذا كونت زائر في منتديات نسائم القلوب لاول مرة
قم بالتسجيل وشارك معانا
منتديات نسائم القلوب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


احدث الإسلاميات و البرامج والالعاب وافلام الكارتون والافلام العربية والاجنبية و احدث الاغاني
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الله




الدولة : هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء  012
عدد المساهمات : 15
تاريخ التسجيل : 31/08/2013

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء  Empty
مُساهمةموضوع: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء  I_icon_minitimeالسبت أغسطس 31, 2013 4:12 pm

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء


أول الأخلاق العظيمة التي يقابل المؤمن فيها جهل الآخرين عليه وإساءتهم إلى شخصه ؛ أن يلقاهم بالعفو والحلم، بدلاً من الغضب والانتقام، فإن الحلم والعفو خلقان يحبهما الله تعالى، ويحبهما رسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق.
لقد أصبح من البدهي أن يعفو المرء ويتجاوز في مقابل من يعلوه شرفاً أو مالاً أو منزلة، فيحْلُمَ عن إساءة رئيسه في العمل أو أخيه الأكبر أو غيرِهم ، لكن ذلك ليس من الحِلْم، وإن كان من جميل الصفات، فالحلم أن تتجاوز وتصبر على خطأ الجميع، الصغيرِ منهم والكبير، لذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بهذه الخصلة الجميلة تجاه أخطاء الضعفاء ، كالخدم، فقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كم أعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعاد الرجل السؤال، وقال: يا رسول الله كم أعفو عن الخادم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «كل يوم سبعين مرة» ( ).
وفي معنى قوله: «سبعين مرة » يرى الكلاباذي أن المقصود منه الكثرة لا التحديد، فقد وردت أخبار بذكر السبعين في نصوص قرآنية ونبوية كثيرة ، كلُها تدل على الكثرة، لا على التحديد والغاية، منها قول الله لنبيه عن المنافقين: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ﴾ (التوبة: 80)، فليس هذا على التحديد والغاية ؛ لأنه لو استغفر لهم مائة مرة لم يغفر الله لهم، لكونهم كفاراً منافقين( ).
وأول منازل الحِلم؛ كظمُ الغيظ وتجرعُه واحتمالُ سببه والصبرُ عليه وعدمُ مواجهة أخطاء الآخرين بالسباب والصُراخ وغيرٍه من صور التضجر والتأفف، وقد حثّ على ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: «من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور العين شاء» ( )، وهذا الحمد والجزاء لكظم الغيظ "لأنه قهرٌ للنفس الأمارة بالسوء، ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ (آل عمران: 134)، ومن نهى النفس عن هواهُ فإن الجنةَ مأواه، والحورَ العين جزاؤه، وهذا الثناء الجميل والجزاء الجزيل ترتب على مجرد كظم الغيظ، فكيف إذا انضم العفوُ إليه ، أو زاد بالإحسان عليه"( ).
وهكذا فإن كظم الغيظ عند إساءات الآخرين من أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال: «ألا إن عمل الجنة حزْنٌ بِرَبوة [أي كصعود مرتفع صعب]، ألا إن عمل النار سهل بسهْوة، والسعيد من وقي الفتن، وما من جرعةٍ أحبُّ إلي من جرعة غيظ يكظِمها عبد، ما كظمها عبد للهِ إلا ملأ الله جوفَه إيماناً» ( ).
قال ابن بطال: "مدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب، وأثنى عليهم، وأخبر أن ماعنده خير وأبقى لهم من متاع الحياة الدنيا وزينتِها، وأثنى على الكاظمينَ الغيظ والعافينَ عن الناس، وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك"( ).
لكن الإسلام وهو يهذب أنفسنا لا يكتفي بتصبيِر المرء نفسَه وهو يطوي الغيظ في قلبه على من أخطأ عليه، بل يطالبه بالانتقال إلى المنزلة الثانية من منازل الحِلم، وهي العفو عن المخطئ ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ (آل عمران: 134)، ذلك أن "العفو عن الناس من أجلِّ ضروب فعل الخير؛ حيث يجوز للإنسان أن يعفو حيث يتجه حقُه... وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أعظم العبادة وجهاد النفس"( ).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على التجمل بصفة العفو، يقول أنس بن مالك: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قِصاص إلا أمر فيه بالعفو) ( )، فالعفو عن المخطئ ومسامحته خلق جليل أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ (الحجر: 85).
وقد سبق صلى الله عليه وسلم إلى خلة العفو؛ فما كان قلبه ينطوي على غيظ على صاحب إساءة، فحين مرّ بمجلس المنافق عبدِ الله بنِ أُبي ابن سلول ، أساء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاستشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أمر إساءته سعدَ بنَ عبادة سيد الخزرج، فقال سعد: يا رسول الله، اعف عنه، واصفح عنه، فوالذي أَنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أُنزل عليك، وقد اصطلح أهل هذه المدينة على أن يتوجوه، فيُعصِّبوه بالعِصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شَرَق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم( ).
ولما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب صلح الحديبية مع كفار قريش كره بعض سفهائهم الصلح مع المسلمين ، ونزل ثمانون رجلاً منهم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غِرَّة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكن الله خذلهم وكشف أمرهم فأُخِذوا، واستحياهم النبي صلى الله عليه وسلم أي عفا عنهم، ففي شأن هؤلاء أنزل الله عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ (الفتح: 24).
وحين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً مر بشعابها التي عذب فيها أصحابه وقتلوا في سبيل دينهم، والذكريات المؤلمة تتخايل أمام عينيه، ولو تخايلت أمام ناظري ملك أو سوقة لأشعلت من حب الانتقام ما يحرق بشرره قلوب الطغاة ويشفي صدور المستضعفين.
لكن تلك الذكريات على مرارتها لم تمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصفح الجميل فآثره على الانتقام والتشفي، فنادى أهل مكة: «ما تقولون إني فاعل بكم؟».
فقالوا والخوف المختلط بالرجاء يملأ قلوبهم: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فتعالى النبي صلى الله عليه وسلم على عمق الجراحات وألم العذابات وقال: «أقول كما قال أخي يوسف: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ (يوسف: 64)، اذهبوا فأنتم الطلقاء» ( ).
وعفو النبي صلى الله عليه وسلم وتجاوزه عن مظالم قريش هو امتثال لأمر الله تعالى ، حيث قال آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ (الأعراف: 199)، فهذه الآية "تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات فقوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ ﴾ دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغيرُ ذلك من أخلاق المطيعين.
ودخل في قوله: ﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.
وفي قوله: ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ الحضُ على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنـزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغيرُ ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة"( ).
ومن عفوه صلى الله عليه وسلم مسامحته لليهودية التي همّت بقتله يوم خيبر، فأتته بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ فقال الرحمة المسداة صلى الله عليه وسلم: «لا»( )، فعفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما مات بشر بن البراء بسبب ذلك السمِّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها قصاصاً له.
وفي مرة أخرى نام النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرةٍ، علق بها سيفه، فجاء أعرابي فاخترط سيفه، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والسيف في يده صَلتاً، وهو يقول: من يمنعُك مني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلسان المؤمن المستعين بربه: «اللهُ عز وجل».
فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ فما وجد الأعرابي إلا أن يقول مسترحماً: كن كخير آخذ.
فقال صلى الله عليه وسلم: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: لا، ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك، فخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله، فذهب إلى أصحابه، فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس( ).
قال ابن حجر: "كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته ، فمنَّ عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام ، ولم يؤخذ بما صنع ، بل عفا عنه"( ).
وتخلق النــبي صلى الله عليه وسلم بصفـة العفــو مذكور في الكتب التي تنبـأت عنه صلى الله عليه وسلم قبل الإسـلام، فقد روى البخـاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن .. ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح بها أعيُناً عُمياً، وآذاناً صُماً، وقُلوباً غُلفاً) ( ).
وقوله: (ولا يدفع بالسيئة السيئة) معناه: "لا يسيء إلى من أساء إليه على سبيل المجازاة المباحة ما لم تنتهك لله حرمة، لكن يأخذ بالفضل كما قال تعالى: ﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ (الشورى: 43)" ( )، فصدق فيه صلى الله عليه وسلم ما قاله الله في وصف المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ (الشورى: 37)، أي "يتجاوزون ويحلمون هم عمن ظلمهم .. وهذه من محاسن الأخلاق، يشفقون على ظالمهم، ويصفحون عمن جهل عليهم، يطلبون بذلك ثواب الله تعالى وعفوه"( ).
‏‏‏‏وكما امتثل النبي صلى الله عليه وسلم صفة العفو فإنه رغب أمته بهذا الخلق النبيل: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» ( ).
وقد امتثل هذا الخلق المؤمنون تأسياً به صلى الله عليه وسلم ، ومنهم الخليفة عمر بن الخطاب t حين قدم عليه عيينة بن حصن فقال مخاطباً الخليفة الذي دانت له الروم والفرس: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همَّ به.
فقال له الحُرُّ بنُ قيس: يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف: 199)، وهذا من الجاهلين.
يقول ابن عباس: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب الله( ).
لكن المثال الأعلى في التعامل مع المخطئين ليس الوقوف على حال كظم الغيظ والعفو فحسب، بل الانتقال إلى منزلة ثالثة أعظم، وهي الإحسان إلى المخطئ، فكظم المرء غيظه فعل حسن، وأحسنُ منه العفو عن المسيء، وأعظم من هذا وذاك أن نحسـن إلى من أســاء إلينــا، فنقابـل الإســاءة بالإحسـان ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ  الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (آل عمران: 133-134).
وحين أخبر الله تعالى نبيه عن بعض مكر المشـركين من أهل الكتاب وخيانتهم له؛ أمره بالعفو عنهم والصفح، لا بل حثه على الإحسان إليهم: ﴿ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيـلاً مِّنْهُـمُ فَـاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (آل عمران: 13).
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خلة الإحسان إلى المسـيء بفعله الجميل حين جاءه رجل يشكو قرابته الذين يقابلون إحسانه بالإساءة، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصِلُهم ويقطعون، وأحسنُ إليهم ويسيئون إلي، وأحلُم عنهم ويجهلون علي؟! فقال صلى الله عليه وسلم مشجعاً له على الاستمرار في الإحسان إلى المسيئين: «لئن كنتَ كما تقول فكأنما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمت على ذلك»( ).
لقد أمر الله تعالى نبيه وأتباعه من المؤمنين بمقابلة الإساءة بالحسنة : ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (المؤمنون: 96)، وقد قال ترجمان القرآن ابن عباس في تفسيرها: (الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوه عصمهم الله وخضع لهم عدوهم) ( ).
ولن يفوتنا تأمل الهدي النبوي في التعامل مع إساءة كبرى تتعلق بالعِرض، وهو من أعظم ما يُغضَب له وينتقم، وذلك في قصة أبي بكر الصديق مع ابن خالته مِسطح بنِ أثاثة، فقد كان الصديق يتعهده بالنفقة والإحسان والرعاية، فلما تحدث أصحاب الإفك في ابنته عائشة كان مسطح فيمن تحدث فيها، فقال أبو بكر: والله لا أنفق على مِسطح شيئاً أبداً.
ولو قدر لأحدنا أن يمثُل في مثل هذا الموقف لأرعد وأزبد، ولسب وجدّع، ولربما قتل أو ارتكب جناية ، إذ قد يعفو المرء عن كل جناية إلا فيما يخص الأعراض، فكيف يكون الحال والأمر متعلق بالطاهرة أم المؤمنين وحبيبة رسول رب العالمين.
وإذا كان الظلم من الغريب مفهوماً ؛ فإنه مستنكر وقبيح من القريب ، ويزيد قبحه إذا كان بحق محسن وصاحب حق، لذا فلا أرى الصديق جانب العدل حين قرر: (والله لا أنفق على مِسطح شيئاً أبداً).
لكن الله يرتفع بالمؤمن عن مرتبة العدل إلى منزلة الفضل، فأنزل: ﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾ (النور: 22)، فقال أبو بكر: (بلى، والله إني أحب أن يغفر الله لي). فأعاد النفقة عليه، وقال: (والله لا أنزعها منه أبداً) ( ).
ولو همست في أذن الكثيرين منا اليوم: أين موقعنا من هذه الأخلاق في التعامل مع المسيئين فإن الإجابة ستكشف بُعدَنا الكبير عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو سألنا واحداً من هؤلاء المتنكبين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العفو والصفح والإحسان إلى المسيء؛ لاعتذر بأن المعاملة الحسنة مع المخطئين تغريهم بالمزيد من الإساءة، وأنه بتجربته الواسعة اكتشف أن العنف والضرب أقدر على إصلاح العوج وتقويمه من أي وسيلة أخرى، فالضرب هو الطريق الأقرب في تقويم الاعوجاج عند الكثيرين منا، فهو ميسور يقدر عليه كل واحد منا؛ وبخاصة إذا كان المخطئ أو المقصـر بحقنا أضعف منا، كالابن أو الخادم ، وأحياناً يمارسه بعض السفهاء - ممن لم يفهم شراكة الزوجة وحقوقها - مع زوجته، فيستقوي على أنوثة لطيفة بذكورة جافية لم تبلغ به قدر الرجال.
ونقول لهؤلاء وأولئك: إن الذين تتحدثون عن تقويمهم بالضرب من جنس أولئك الذين احتمل النبي صلى الله عليه وسلم أخطاءهم، فرباهم بغير الضرب والعنف، رغم أن جرم بعض أولئك أكبر بكثير من أخطاء أبنائنا أو خدمنا أو زوجاتنا، ومع ذلك فإن سيد الرجال محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يستخدم الضـرب وسيلة في تقويم اعوجاج معوج ، فلم يضرب صلى الله عليه وسلم قط أحداً تأديباً ، وما كان الضـرب والعنف مسلكاً له صلى الله عليه وسلم إلا في ميادين الجهاد والتضحية في سبيل الله، حدَّثت بذلك زوجه الصديقة عائشة رضي الله عنها فقالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله»( ).
نعم، الضرب وسيلة مباحة شرعاً ومقبولة في دروب التربية وتصحيح الخطأ إذا انضبطت بضوابطها الشرعية وآدابها، لكن تركه أفضل وأولى ( )، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واستعاضة عنه بوسائله صلى الله عليه وسلم في التربية، تلك الوسائل التي لا يكاد يطرقها الكثير من الآباء مع أبنائهم، ولا المعلمون مع طلابهم، لكنه محمد صلى الله عليه وسلم معلم الأمة، وقدوة المربين إلى يوم الدين.
بقلم: د. منقذ بن محمود السقار
الباحث في رابطة العالم الإسلامي
[/size][/right][/quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء
» هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء
» هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والإحسان إلى المسيء
» مواقف ضحك فيها النبى صلى الله عليه وسلمأولاً : أم المؤمنين عائشة تصف لنا ضحك النبي صلى الله عليه وسلم
»  الجار في سنة النبي صلى الله عليه وسلم النبي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نسائم القلوب :: المنتديات الإسلامية :: منتدى السنة النبوية-
انتقل الى: